المساهمات : 57 تاريخ التسجيل : 15/03/2008 العمر : 33
موضوع: سيدنا أبو بكر الصديق رضى الله عنه وأرضاه الجمعة مارس 21, 2008 11:20 am
سيدنا أبو بكر الصديق
نسبه ومولده:
هو عبد اللّه بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مُرَّة. ويلتقي مع الرسول صلى الله عليه و سلم في مُرَّة وهو الجدُّ السادس له عليه الصلاة والسلام. ووصفه الرسول صلى الله عليه و سلم بالصِّديِّق عقب حادثة الإِسراء والمعراج إذ صدقـه حين كذّبـه المشركـون. "عندما أُسري بالنبي صلى الله عليه و سلم إلى المسجد الأقصى، أصبح يتحدث الناس بذلك، فارتد الناس ممن كانوا آمنوا به وصدقوه وسعوا بذلك إلى أبي بكر- رضي اللّه عنه- فقالوا: "هل لك إلى صاحبـك يزعم أنه أسري به الليلة إلى بيت المقدس "؟ قال: "أو قال ذلـك؟ " قالوا: "نعم ". قال: "لئن قال ذلك لقد صدق". قالوا: "أو تصدقه أنه ذهب الليلة إلى بيت المقدس وجاء قبل أن يصبح "؟! قال: "نعم، إني أصدقه فيما هو أبعد من ذلك، أصدقه بخبر السماء في غَدْوَةٍ أو رَوْحَةٍ ، فلذلك سُمِّي أبو بكر الصديق ".(1)
وُلِـد – رضي اللّه عنه – بمكة بعد مولد الرسول صلى الله عليه وسلم بسنتين وأشهر ونشأ فيها.
إسلامه وبعض مشاهده:
كان أبو بكر - رضي اللّه عنه - سريع الاستجابة لدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم . فقد عُدَّ أبو بكر الصديق أول من آمن من الرجال(2) وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما بُعث كذبه الناس وصدقه أبو بكر. قال النبي صلى الله عليه وسلم : "إن اللّه بعثني إليكم، فقلتم: كذبت، وقال أبو بكر صدق وواساني بنفسه وماله فهل أنتم تاركوا لي صاحبي؟" (مرتين).(3)
وقد صحب النبيَّ صلى الله عليه وسلم في هجرته إلى المدينة فنزلت الآية الكريمة {إلاّ تنصروه فقد نصره اللّه إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن اللّه معنا فأنزل اللّه سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة اللّه هي العليا واللّه عزيز حكيم}.(4)
وشهد المشاهد كلها مع النبي صلى الله عليه و سلم، وكان يتاجر بالثياب وبلغ رأس ماله حين أسلم أربعين ألف درهم أنفقها على مصالح الدعوة الإِسلامية وخاصة في عتق رقاب المستضعفين الأرقاء (5) من المسلمين. وكان النبي صلى الله عليه و سلم يقضي في مال أبي بكر كـما يقضي الرجل في مال نفسه. وقد بين النبي صلى الله عليه و سلم مدى إفادة الإِسلام من ذلك "ما نفعني مال قط ما نَفعني مال أبي بكر"(6). وقد بشره الرسول صلى الله عليه و سلم بالجنة وترك خوخـة (7) داره مشرعة على المسجد دون بقية الصحابة وأمره بأن يؤم الناس في الصلاة خلال مرضه وكان موضع مشورة النبي صلى الله عليه وسلم وقد صاهره بأن تزوج عليه الصلاة والسلام ابنته عائشة - رضي اللّه عنها - (.
صفاته وفضلـه:
أما عن صفاته – رضي اللّه عنه – فيمكن تقسيمها إلى قسمين : ا- الصفات الخَلْقِية:
2- الصفات الخُلُقية: كان - رضي اللّه عنه- أوّاها (13) شديد الحياء كثير الورع حازماً مع رحمة يحفظ شرفه وكرامته وكان غنياً بجاهه وأخلاقه. ولم يؤثَر عنه عبادة الأصنام وأُثِر عنه الأخلاق الطيبة.
وقـد أجمـع أهـل السنة على أنَّ أفضل الناس بعد رسول اللّه صلى الله عليه و سلم أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم عليَّ، وكان- رضي اللّه عنه- حكيماً فقد ظهرت حكمته ورباطة جأشه في مواجهة مصاب الأمة بوفاة النبي صلى الله عليه و سلم كـما ظهرت شخصيته القوية وحنكته السياسية في اجتماع السقيفة.
وقد عبر عن تواضع جَمٍّ وزهد في الخلافة حين رُشِّح (14) لها وذلك "في خطبتـه التي خطبهـا في الناس بعد البيعة ومما جاء فيها: أني قد وليت عليكم ولست بخيركـم. الخطبة" (15). ومع علمه بالقرآن والسنة وفهمه لمقاصد الشرع وأحكامه فقد كان كثير الاستشارة للصحابة وكانت الرحمة تغلب على آرائه فقد أشار بقبول المفاداة من أسرى بدر (16).
البيعة لأبي بكر- رضي اللّه عنه- بالخلافة:
بعد وفاة النبي صلى الله عليه و سلم. اجتمع الأنصار في سقيفة بني ساعدة لاختيار خليفـة منهم فحضر إليهم نفر من المهاجرين ومنهم أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وأبو عبيدة عامر بن الجراح- رضي اللّه عنهم- فتكلم أبو بكر وبيَّن فضل الأنصار وقال: "لقد رضيت لكـم أحد هذين الرجلين فبايعوا أيهما شئتم فأخذ بيد عمر بن الخطاب، وبيد أبي عبيدة بن الجراح " فقال عمر بن الخطاب: "يا معشر الأنصار ألستم تعلمون أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قد أمر أبا بكر أن يؤم الناس فأيَّكـم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر" فقال الأنصار: "نعوذ باللّه أن نتقدم أبا بكر" (17). فقد استدل عمر بن الخـطاب- رضي اللّه عنه- بأحقية أبي بكر بالخلافة بعد أن ذَكَّرهم بأمر الرسول صلى الله عليه و سلم أن يؤم الناس أبو بكر- رضي اللّه عنه- فطلب عمر من أبي بكر أن يبسط يده ليبايعه فبسط يده فبايعه عمر فالمهاجرون فالأنصار وما كان للأنصار - رضوان اللّه عليهم - أن يتخلفوا عن البيعة بعد أن نبههم عمر إلى تلك الحقيقة ألا وهي أفضلية أبي بكر- رضي اللّه عنه- على سائر الصحابة- رضوان اللّه عليهم- جميعاً فاتفقت كلمتهم على البيعة. وفي اليوم التالي صعد أبو بكر- رضي اللّه عنه- المنبر فبايعه الناس وتمت البيعة لأبي بكر (18).
أسلوبه في الحكم - رضي اللّه عنه -:
أعلن أبو بكر - رضي اللّه عنه - أسلوبه في الحكم من خلال خطبته القصيرة التي خطبها في الناس في مسجد رسول اللّه صلى الله عليه و سلم فقال بعد أن حمد اللّه وأثنى عليه:
"يا أيها الناس إِني قد وُلِّيت عليكم ولست بخيركـم فإن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقْوِّمُوني: الصدق أمانة والكذب خيانة والضعيف فيكم قوى عنـدي حتى ارجـع عليه حقه إن شاء اللّه، والقوي فيكـم ضعيف حتى آخذ الحق منه إن شاء اللّه لا يدع قوم الجهاد في سبيل اللّه إلا خذلهم ولا تشيع الفـاحشة في قوم إلا عمهم اللّه بالبلاء. أطيعوني ما أطعت اللّه ورسوله فإذا عصيت اللّه ورسوله فلا طاعة لي عليكـم " (19).
وقد تضمنت هذه الخطبة الخطوط الرئيسة لسياسته- رضي اللّه عنه- وهي:
1- ساوى نفسه بالناس يسري عليه من الحكم ما يسري عليهم. 2- إقامة مبدأ التعاون على الحق. 3- رفع شعار الصدق ومحاربة الكذب. 4- الأخذ على الظالم وإنصاف المظلوم. 5- رفع راية الجهاد في سبيل اللّه. 6- قمع (20) الفاحشة في المجتمع. 7- الأمر بطاعته مادام يقيم حدود اللّه (21).
أعمال أبي بكر- رضي اللّه عنه -:
أبو بكر- رضي اللّه عنه - له أعمال عظيمة فقد حقق أهدافاً وإنجازات كثيرة وجليلة وكانت أيامه حافلة بأعمال الخير مع أنها لم تدم إلا سنتين وثلاثة أشهر و من أهم أعماله ما يلي:
أولاً: إنفاذ جيش أسامة بن زيد - رضي اللّه عنه -:
جهز رسول اللّه صلى الله عليه وسلم جيشاً قبـل وفاته وأَمَّرَ عليـه أسامـة بن زيـد - رضي اللّه عنهما - وكان أسامة قد أُمِر أن يسير إلى مشارف الشام، فعسكر في الجُرْف وقد ضَمَّ جيشه كبار الناس وخيارهم وفيهم عمر- رضي اللّه عنـه - ولكن هذا الجيش لم يبرح المـدينـة لمرض رسـول اللّه صلى الله عليه وسلم ومازال معسكراً حتى توفي رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وتولى أبو بكر - رضي اللّه عنه - الخلافة، ولما وصلت أنباء(22) بوادر الردة رأى أسامة أن يتريث حتى ينجلي الوضع وبخاصة وأن معه وجوه الناس فأبى أبو بكر- رضي اللّه عنه - إلاّ أن يسير إلى ما أمِرَ به وقال: "ما كنت لاستفتح بشيء أولى من إنفاذ أمر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ولإِن تخطفني الطير أحب إلي من ذلك" واستأذن أبو بكر أسامة في عمر- رضي اللّه عنهم - فأذن له ومضى لوجهه.
مضى أسامة - رضي اللّه عنه- إلى أرض الشام وقاتل من ارتد من قبيلة قضاعة ففروا إلى دومة الجندل وسار أسامة حتى أغار(23) على وآبل من نواحي مؤته وأَدَّى مهمته بنجاح وعاد سالماً غانماً في أربعين ليلة(24).
ثانياً: محاربة المرتدين:
وصلت أنبـاء الردة إلى عاصمة الدولة الإِسلامية (المدينة النبوية) وكان المرتدون على ثلاثة أقسام:
القسم الأول: عاد إلى عبادة الأوثـان.
القسم الثاني: اتبع أدعياء النبوة.
القسم الثالث: استمر على الإِسلام ولكنهم جحدوا الزكاة وتَأَوَّلُوها بأنها خاصة بزمن النبي صلى الله عليه وسلم (25). وقد أرسل الفريق الثالث وفداً إلى المدينة لمفاوضة خليفة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وقد نزل على وجهاء الناس في المدينة عدا العباس بن عبد المطلب - رضي اللّه عنه - وقد وافق عدد من كبار الصحابة على قبول ما جاءت به رسل هذا الفريق وناقشوا في ذلك الأمر، أبا بكر ومنهم عمر بن الخطاب، وأبـو عبيدة بن الجراح، وسالم مولى أبي حذيفة وغيرهم. إلاّ أن أبا بكر – رضيِ اللّه عنه – رفضهم قولهم ذلك وقال قولته المشهورة: "واللّه لو منعوني عقالاً كان يؤدونه إلى رسول اللّه صلى الله عليه و سلم لجاهدتهم عليه".
وقال عمر لأبي بكر - رضي اللّه عنهما -: كيف تقاتلهم وقد قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا اللّه فمن قال: "لا إله إلا اللّه" فقد عصم مني نفسه وماله إلا بحقه وحسابه على اللّه "(26). فقال أبو بكر: "واللّه لأقاتلن من فَرَّق بين الصلاة والزكاة فإن الزكاة حق المال. واللّه لو منعوني عناقاً(27) لقاتلتهم على منعهم ". وهكذا رأي أبي بكر - رضي اللّه عنه- أن الإِسلام كُلُّ لا يتجزأ وليس هناك من فرق بين فريضة وأخرى والزكاة أهم تشريع في النظام الاقتصادي الإِسلامي وركن من أركـان الإِسـلام وعبادة بحد ذاتها ولا يمكن تطبيق جزء من الإِسلام وإهمال آخر ورأى الصحابة أن الأخذ باللين أفضل، وقال عمر- رضي اللّه عنه-: "يا خليفة رسول اللّه! تألف الناس وأرفق بهم " فأجابه أبو بكر: "رجوت نصرتـك وجئتني بخـذلانـك؟ أجبّـار في الجـاهلية وخوار في الإسلام؟ إنه قد انقطع الوحي وتم الدين أو ينقص وأنا حي؟ أليس قد قاَل رسول اللّه صلى الله عليه و سلم: "إلا بحقها، ومن حقها الصلاة وإيتاء الزكاة واللّه لو خذلني الناس كلهم لجاهدته! بنفسي "(28).
وقد أصدر أبو بكر - رضي اللّه عنه- كتاباً عاماً وجهه إلى المرتدين في أنحاء الجزيرة وأرسل بهذا الكتاب رسلا يتقدمون الجيش ليقرؤوه على الناس حتى يفتح لهم باب الرجوع إلى الحق ويتيح لهم الفرصة المناسبة لكي يتـدبروا أمرهم وحتى يبرئ ذمته أمام اللّه قبل أن تقع الحرب وتراق(29) الدماء(30).
وكان من نتيجة ذلك أن وقعت اصطدامات بين جيوش المسلمين وهؤلاء المتمردين من المتنبئين والمرتدين وبذل المسلمون في هذه الحروب كل قوتهم وتجلى(31) إيـمانهم في أروع صورة واستطاعوا في النهاية وقبل مرور عام أن يقطعوا دابر الفتنة ويعيدوا المرتدين إلى دينهم الذي بلّغه الرسول صلى الله عليه و سلم.
ثالثاً: جمع القرآن الكريم:
لقد كانت هذه الفكرة من عمر بن الخطاب- رضي اللّه عنه- أخرج البخاري في صحيحه عن زيد بن ثابت- رضي اللّه عنه- قال: "أرسل إليّ أبو بكر الصديق بعد مقتل أهل اليمامة فإذا عمر بن الخطاب عنده " قال أبو بكر- رضي اللّه عنه-: "إن عمر أتاني فقال إن القتل قد استحر(32) يوم اليمامـة. بقُرَّاء القرآن وإني أخشى إن استمر القتل بالقُراء بالمواطن(33) فيذهب كثير من القرآن وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن… ولم يزل عمر يراجعني حتى شرح اللّه صدري لذلك ورأيت في ذلك الذي رأى عمر وأمر زيد بن ثابت فجمع القرآن من العسب(34) واللخاف(35) وصدور الرجال(36).